أصل ظاهرة الكبت الجنسي عند العرب (1)

يرجى مراجعة هذا الرابط لأجل توضيح حول محتوى هذا المقال

_______________________________________________________________

المجتمعات العربية حاليا معروفة بالكبت الجنسي، وهذا أمر يتجلى في مظاهر عديدة بعضها مظاهر شاذة ومنحرفة.

ما يلي هو مقال مختصر حاولت فيه أن أتوصل إلى أصول هذه الظاهرة.

________________________________________________________________

غالبية المجتمعات حاليا هي مجتمعات ذكورية أو أبوية (بطريركية patriarchal). التعريف العلمي لهذا النوع من المجتمعات هو كما يلي (من ويكيبيديا):

Patriarchy (rule by fathers) is a social system in which the male is the primary authority figure central to social organization and the central roles of political leadership, moral authority, and control of property, and where fathers hold authority over women and children. It implies the institutions of male rule and privilege, and entails female subordination.

المجتمع الأبوي هو المجتمع الذي يهيمن فيه الذكور على المناصب القيادية. الذكور في المجتمع الأبوي يتولون القيادة في السياسة والأخلاق والاقتصاد والعائلة إلخ.

علم الآثار (والكتابات التاريخية، والدراسات الأنثروبولوجية) يدل على أن المجتمعات الأبوية هي ظاهرة حديثة نسبيا ظهرت قبل بضعة آلاف من السنين. قبل ذلك كانت المجتمعات البشرية تقوم على مبدأ المساواة بين الذكور والإناث.

هناك نظريات عديدة تفسر ظهور المجتمعات الأبوية. أنا لدي رأي خاص حول هذه المسألة.

رأيي باختصار هو أن ظهور المجتمعات الأبوية ترافق مع نزوع البشر نحو السلم وتجنب النزاعات.

أنا قرأت وصف الباحثين للمجتمعات غير الأبوية (سواء في العصر الحالي أم في العصور القديمة). أهم سمة لهذه المجتمعات هي الحرية الجنسية للنساء.

في المجتمعات غير الأبوية لا يوجد تقييد جنسي للنساء. النساء في هذه المجتمعات يمارسن العلاقات الجنسية مع رجال عديدين.

آثار المجتمعات القديمة تدل على أن النساء في تلك المجتمعات لم يكن مقيدات برجال معينيين.

مثل هذا النظام كان على الأغلب يؤدي إلى نزاعات وخلافات بين الذكور بسبب التنافس على النساء. هذه الظاهرة نشاهدها في عالم الحيوان، خاصة عند القرود الكبيرة (التي تعتبر أقرب الحيوانات للإنسان).

أنا لدي عدد من الدلائل التي تدعم فكرتي هذه، وإن أتيح لي الوقت في المستقبل فسوف أكتب مقالا عن هذا الموضوع.

أحد الدلائل التاريخية هو مثلا قصة طروادة اليونانية الشهيرة. هذه القصة هي أهم ملحمة في التراث اليوناني. هي تحكي قصة حرب كبيرة خاضها اليونانيون قديما على الساحل الغربي للأناضول.

الملفت هو سبب هذه الحرب الشعواء: الحرب اندلعت بسبب خلاف على امرأة هي Helenē زوجة Menelaos ملك إسبرطة.

لوحة من القرن 18 تجسد Helenē مع Paris الطروادي الذي خطفها من زوجها اليوناني

أهم حرب في التاريخ اليوناني اندلعت بسبب النزاع على امرأة.

نفس الثيمة أو الفكرة موجودة في قصة كرت الأجاريتية: في كتابات أجاريت وردت قصة الملك “كرت” الذي كان يحكم مدينة خيالية اسمها “بيت خبر” تقع على ساحل البحر. هذا الملك شن حربا على مملكة اسمها “أدم” يحكمها ملك اسمه “فبل”. سبب الحرب هو رغبة الملك كرت في الزواج من “حري” ابنة “فبل” (يرجى الانتباه إلى أن كتابات أجاريت لا تظهر أصوات العلة وبالتالي هذه الأسماء هي بدون أصوات علة).

أثناء قراءتي لتاريخ سورية القديم تبين لي أن معظم التراث اليوناني القديم هو في الحقيقة مقتبس من التراث السوري القديم (والمفاجأة هي أن اليونانيين القدماء أنفسهم كانوا يعلمون ذلك وذكروه في تراثهم. لو أتيح لي الوقت مستقبلا فسأكتب عن هذا الموضوع). الآن أنا أريد فقط أن ألفت النظر إلى التشابه بين قصة طروادة اليونانية وبين قصة كرت الأجاريتية. على الأغلب أن قصة طروادة لها جذور في سورية (كالكثير من القصص اليونانية الأخرى). المستشرق Baruch Margalit يرى أن أصل قصة كرت يعود إلى مدينة جبيل في لبنان، وهذا الكلام وارد وهو يدل على قدم هذه القصة.

الشعوب المتوسطية القديمة كان لديها قصة تتحدث عن حرب كبيرة سببها النزاع على امرأة. هذه القصة موجودة لدى عدد من الشعوب بأشكال مختلفة.

هذه القصة في رأيي هي ليست خيالا محضا، بل هي نابعة من طبيعة المجتمعات القديمة.

في تلك المجتمعات لم يكن هناك شيء اسمه “زواج” بالمعنى المعروف في المجتمعات الأبوية. الرجال كانوا يتنافسون ويتصارعون على النساء مثل تنافسهم على الأراضي والأنعام والمعادن إلخ.

مفهوم “الزواج” هو أحد المفاهيم التي أوجدها البشر لتقليل النزاعات والمشاكل. هذا المفهوم هو مرتبط بمفهوم “الملكية الخاصة” الذي يرفضه الماركسيون ويعتبرونه شيئا سيئا.

الماركسيون (وأصحاب النظريات النسوية) ينظرون لمفهوم الزواج ومفهوم الملكية الخاصة على أنها مفاهيم سيئة وشريرة، ولكن الواقع في رأيي هو غير ذلك. هذه المفاهيم ظهرت في عصر الحضارة المدنية. البشر اخترعوا هذه المفاهيم لكي يقللوا من النزاعات والمشاكل.

الزواج يعني تقنين النساء. كل رجل يحصل على امرأة أو نساء محددات لا يحق لأحد غيره أن ينازعه فيهن. نفس الأمر ينطبق على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. بدلا من أن يتقاتل الناس على الأراضي والأنعام تم توزيع هذه الأمور على الناس كملكيات خاصة لكل فرد. هذه المفاهيم هي مفاهيم حضارية أدت إلى تقليل الخلافات والخصومات. هي ليست مفاهيم سيئة كما يحاول الكثيرون أن يصوروها.

إذا ظهر أناس احتكاريون جشعون أساؤوا استغلال هذه المفاهيم فهذا لا يعني أن المفاهيم نفسها سيئة.

هذه في رأيي هي الخلفية التي أدت إلى ظهور المجتمعات الأبوية. بداية ظهور المجتمعات الأبوية كانت عندما تم تقييد النساء جنسيا. عندما تم ربط كل امرأة برجل واحد فقط أصبحت كل امرأة تابعة لرجلها ومعتمدة عليه دون غيره. هذا النظام أدى مع الزمن إلى صعود دور الرجال وانحدار دور النساء في المجتمع.

كل المجتمعات الأبوية تقيد النساء جنسيا، ولكن بالنسبة للرجال فهناك تفاوت بين المجتمعات.

تاريخيا كانت هناك مجتمعات أبوية تقيد الرجال جنسيا وليس فقط النساء. مثلا المجتمعات التي تعتنق الديانة المسيحية هي معروفة تاريخيا بأن لها موقفا متحفظا تجاه العلاقات الجنسية للرجال. في الديانة المسيحية الرجل يحق له الزواج بامرأة واحدة فقط (والطلاق ممنوع)، والأفضل هو عدم الزواج بالمطلق (كما يفعل الكهان).

البوذية لها موقف مشابه. الديانة البوذية تعتبر أن جميع الشهوات (بما في ذلك الشهوة الجنسية) هي مصدر للمعاناة، وبالتالي الموقف الصحيح هو تجنب الشهوات بالمطلق.

مثل هذه الأفكار التي تزهد في العلاقة الجنسية بالمطلق أو تنظر لها نظرة سلبية هي شائعة حول العالم.

ولكن الملفت هو أن الإسلام يخلو تماما من هكذا أفكار.

لا يوجد في الإسلام بشكله المعروف لنا أي تقييد للعلاقات الجنسية الذكورية، بل على العكس من ذلك الفقهاء المسلمون أباحوا للرجل أن يتزوج من أربع نساء في آن واحد، وقبل تحريم الرق كان يحق للرجل المسلم أن يمتلك ما يشاء من الجواري (الجارية هي مؤنث العبد، والرجل المسلم يحق له أن يقيم علاقات جنسية مع جواريه).

المحصلة هي أن الرجل المسلم هو غير مقيد جنسيا. الرجل المسلم يمكنه أن يقيم علاقات جنسية مع عدد لا نهائي من النساء.

لهذا السبب كان الأوروبيون في القرون الوسطى ينظرون للإسلام على أنه دين إباحي، والمسلمون في ذلك الوقت كانت لديهم سمعة على أنهم يهتمون كثيرا بالنساء والملذات الحسية.

الملفت هو الواقع الحالي للمسلمين، وخاصة العرب. حاليا العرب يشتهرون بالكبت الجنسي (للذكور والإناث على السواء)، وأما الغرب (المسيحي) فصار الآن يعتبر متحررا جنسيا مقارنة بالشرق الإسلامي!

هذا الانقلاب حصل خلال فترة قصيرة لا تزيد عن خمسمئة عام أو أقل من ذلك.

الكبت الجنسي له مضار عديدة ومعروفة تحدث عنها الباحثون الغربيون كثيرا، لأن المجتمعات الغربية كانت تعاني من هذه المشكلة قبل القرن العشرين.

خلال القرن العشرين شن علماء الطبيعة الغربيون حملة شرسة على القيم المسيحية التقليدية المتعلقة بالجنس، وهذا ما أدى إلى موجة “التحرر الجنسي” التي ظهرت خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين.

المجتمعات الغربية انقلبت رأسا على عقب خلال القرن العشرين. في القرن 19 كانت المجتمعات الغربية ما تزال تميل إلى التحفظ الجنسي، ولكن مع حلول ستينات القرن العشرين صار الوضع في الغرب شبيها بالوضع الحالي الذي يصفه الإسلاميون عادة بـ”الإباحي”، رغم أنه ليس كذلك.

النظام السائد في الغرب حاليا ليس إباحيا. على الأقل أنا سأتحدث عن أميركا. في أميركا مؤسسة الزواج والعائلة ما تزال موجودة ومهيمنة.

في أميركا أغلب الناس ما زالوا يتزوجون وفق القيم التقليدية، ولكن الفرق الوحيد الذي حصل يتعلق بمرحلة ما قبل الزواج.

طبعا بالنسبة للطلاق فهذه مسألة خلافية قديمة بين المسيحيين. هناك قسم من المسيحيين استحل الطلاق منذ مئات السنين، وحاليا أغلب المسيحيين في أميركا يستحلون الطلاق ولا يرون فيه مشكلة.

الأميركان يتزوجون عادة في نهاية العشرينات أو في الثلاثينات من أعمارهم، ولكنهم قبل الزواج يخوضون في علاقات جنسية تجريبية.

العلاقات الجنسية التجريبية ليس لها صفة قانونية (ولا دينية)، ولكنها الآن أصبحت عرفا اجتماعيا.

العلاقات الجنسية التجريبية هي ليست علاقات “مؤقتة” كما يتوهم البعض. كثير من العرب يسيؤون فهم هذه العلاقات ويظنون أنها دعارة أو علاقات عابرة “للتسلية”، ولكنها ليست كذلك.

الزواج في الثقافة المسيحية هو مسألة كبيرة. إذا تزوج الإنسان فالمفترض هو أن تدوم العلاقة بينه وبين زوجته للأبد.

المجتمع الأميركي ما زال يقدس العلاقة الزوجية. إذا تزوج الإنسان فالمجتمع يتوقع منه أن يلتزم بشروط الزواج وألا يخون شريكه.

خيانة العلاقة الزوجية هي أمر مرفوض في المجتمع الأميركي، ومن يرتكب هذا الفعل فإن المجتمع ينظر له نظرة سلبية.

أي أن الزواج ما زال يحتفظ بهيبته التقليدية.

لهذا السبب الشباب في أميركا لا يتسرعون في عقد الزواج.

الشاب عادة يبحث عن امرأة لكي يتزوجها، ولكنه قبل أن يتزوجها رسميا يعيش معها بصفة غير رسمية لفترة من الزمن. المرأة خلال هذه الفترة تسمى “صديقته”، وهو يسمى “صديقها”، ولكن المعنى الاجتماعي لهذه العلاقة هو أعمق من مجرد الصداقة. هذه العلاقة تعتبر توطئة للزواج الرسمي.

لو نجحت هذه العلاقة يتم الانتقال للزواج الرسمي، ولو فشلت يبحث الرجل عن امرأة أخرى، والمرأة تبحث عن رجل آخر.

هذا هو النظام المطبق حاليا في أميركا. هو نظام ليست له علاقة بالإباحية أو “التسلية” كما يتصور البعض. هو نظام ما زال يستند على فكرة الزواج.

طبعا هناك في أميركا وغيرها ناس إباحيون وناس يبحثون عن مجرد التسلية، ولكن أفعال هؤلاء تعتبر شاذة والمجتمع لا يتقبلها كسلوك طبيعي.

النظام المطبق حاليا في أميركا هو نظام نابع من ظروف المجتمع الأميركي وتاريخه. هذا المجتمع له خلفية ثقافية مسيحية. في الديانة المسيحية الزواج هو مسألة عظيمة، لهذا السبب الناس يتمهلون في عقد الزواج ويخوضون قبله علاقات تجريبية غير رسمية.

بالنسبة للمسلمين فالمسألة يجب أن تكون مختلفة، لأن طبيعة الزواج عند المسلمين هي مختلفة.

في الإسلام الطلاق هو أمر مباح وليس محرما. الرجل يحق له أن يتزوج ويطلق مليون مرة لو أراد ذلك، ونفس الأمر ينطبق على المرأة أيضا.

نظريا المسلمون يمكنهم أن يطبقوا نظاما شبيها بالنظام الأميركي ولكنه رغم ذلك شرعي وديني 100%. الرجل المسلم يمكنه أن يتزوج ويطلق عدة مرات قبل أن يستقر على زوجة دائمة، ونفس الأمر ينطبق على المرأة أيضا.

من الممكن للشاب أن يتزوج شابة سنها قريب من سنه، وفي حال لم تنجح العلاقة بينهما فيمكنه أن يطلقها، وبعد ذلك يمكن للشاب أن يتزوج امرأة أخرى، ويمكنه أن يكرر هذا الأمر عدة مرات إلى أن يجد الزوجة المناسبة له.

نفس الأمر يصلح للنساء أيضا. في أميركا المرأة الشابة يمكنها أن ترتبط بأكثر من رجل قبل أن تستقر على رجل معين.

إذن من الناحية النظرية لا يوجد شيء يعيق تطبيق النظام الأميركي في المجتمعات الإسلامية، بل على العكس المجتمعات الإسلامية هي أنسب لتطبيق النظام الأميركي، لأن الإسلام لا يمنع الطلاق.

في الغرب المجتمع لا يتقبل الزواج المتكرر، ولكن في الإسلام الزواج المتكرر هو أمر مباح.

ما هي المشكلة؟

 

من كل المقدمة السابقة أردت أن أبين أن الدين الإسلامي هو ليس سبب مشكلة الكبت الجنسي الموجودة في المجتمعات العربية. الدين الإسلامي هو من الأديان “المتحررة” جنسيا مقارنة بأديان أخرى.

مشكلة الكبت الجنسي الموجودة في المجتمعات العربية حاليا هي مشكلة حديثة العهد وليست قديمة.

العرب في العصر الجاهلي (قبل الإسلام) لم يكونوا من المجتمعات الأبوية المتطرفة، بل على العكس كثير من المستشرقين يرون أن العرب الجاهليين كانوا حديثي عهد بالنظام الأبوي، لأن هناك آثارا كثيرة في مجتمعهم لا تتوافق مع النظام الأبوي.

أنا لن أسرد كل الأمور التي ذكرها المستشرقون، ولكن من الأمور التي تلفت النظر أن النساء الجاهليات كن متحررات من الناحية الجنسية.

هذا الحديث ورد في صحيح البخاري (مروي عن عائشة بنت أبي بكر):

عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا وَنِكَاحٌ آخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا تَقُولُ لَهُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ وَنِكَاحُ الرَّابِعِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمْ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ “

هذا الحديث يبين أنواع العلاقات الجنسية في الجاهلية، وهو يدل على أن النساء الجاهليات كن متحررات جنسيا مقارنة بما هو سائد لدى العرب الآن.

بعض المستشرقين الذين زاروا اليمن في بداية القرن العشرين لاحظوا ظواهر شبيهة بالظواهر المذكورة في هذا الحديث، وهذا دليل على أن المجتمع اليمني كان شبيها بالمجتمع العربي الجاهلي.

الحرية الجنسية للنساء لا تتوافق مع أبوية المجتمع.

هناك مسألة لاحظتها بنفسي ولا أدري إن كان المستشرقون لاحظوها، وهي تتعلق بالتسمية التي يطلقها العرب (تحديدا البدو) على المرأة.

البدو يطلقون على المرأة مسمى “حُرمة”. هذه الكلمة هي مشتقة من الجذر السامي “حرم” الذي يستخدم لوصف المواضع الدينية المقدسة (مثلا “الحَرَم المكي”).

الحَرَم عند العرب هو مكان لا يجوز لأحد أن يقترب منه أو أن يرتكب فيه أفعالا شائنة وإلا فإن الآلهة ستسخط عليه.

هناك عدد من الجبال في سورية التي تحمل أسماء مشتقة من الجذر حرم (مثلا جبل حارم في إدلب). هذه الجبال كانت مقدسة دينيا في العصور القديمة ولهذا السبب أطلق الساميون عليها هذه المسميات.

البدو يطلقون على نسائهم مسمى “حريم”، أي أنهم يعتبرون النساء مقدسات دينيا.

التقديس الديني للنساء هو أمر يتوافق مع المجتمعات “الأموية” التي كانت موجودة قبل المجتمعات الأبوية. من قرأ في علم الآثار لا بد أنه قرأ عن “الإلهة الأم” Mother goddess التي عثر المنقبون على الكثير من التماثيل والرسومات لها في مجتمعات ما قبل التاريخ.

تمثال للإلهة الأم (أو لأنثى مقدسة) من العصر الحجري عثر عليه في سامراء

الإلهة الأم ظلت موجودة في العصور التاريخية وكانت تسمى بأسماء مختلفة في المجتمعات المختلفة. في الأناضول هذه الإلهة كانت مهمة جدا وكانت تسمى في القرون السابقة للميلاد باسم Cybele. عند العرب الإلهة الأم كانت تسمى “اللات” وهي كانت أهم آلهة العرب.

تمثال عثر عليه في الأناضول للإلهة الأم Cybele
مجسم نادر يظهر اللات على ظهر ناقة عثر عليه في الطائف

إطلاق مسمى “حريم” على النساء هو في رأيي يعود إلى التراث الأموي القديم للعرب، لأن الجذر “حرم” هو ذو طابع ديني ويستخدم عادة في الأمور الدينية.

العرب في التاريخ القديم كانت لهم الكثير من الملكات. في الكتابات الآشورية وردت أسماء عدة ملكات عربيات، ونحن نعرف أيضا زنوبيا الملكة العربية في تدمر، وهناك بلقيس الملكة الأسطورية في اليمن. قبل الإسلام كانت هناك “سجاح التميمية” التي كانت ملكة في بني تميم.

في كتاب الأغاني وردت قصة لقاء بين مسيلمة الكذاب وبين سجاح. ما يلي الكلام الذي قاله مسيلمة لسجاح عندما التقى بها:

قال : ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى ، أخرج منها نطفة تسعى بين صفاق وحشا من بين ذكر وأنثى ، وأموات وأحيا ، ثم إلى ربهم يكون المنتهى.

قالت : وماذا ؟ قال : ألم تر أن الله خلقنا أفواجا ، وجعل النساء لنا أزواجا ، فنولج فيهن الغراميل إيلاجا ، ونخرجها منهن إذا شئن إخراجا.

قالت : فبأي شيء أمرك ؟ قال : ألا قومي إلى النيك فقد هيي لك المضجع ، فإن شئتي ففي البيت وإن شئتي ففي المخدع وإن شئتي سلقناك وإن شئتي على أربع ، وإن شئتي بثلثيه وإن شئتي به أجمع ، قال : فقالت : لا إلا به أجمع.

بعض الناس قد يفهمون هذا الكلام على أنه رواية تشهيرية المراد منها الإساءة لكل من مسيلمة وسجاح، ولكن هذا الحوار يذكرني بالطقس المسمى “الزواج المقدس” الذي كان يمارس قديما في سورية وما بين النهرين.

“الإلهة الأم” التي كانت مقدسة قديما كان لها دور جنسي بارز. هي كانت إلهة للخصوبة والتكاثر. لهذا السبب كان يتم تصويرها في الرسومات والتماثيل في أوضاع جنسية، وكان الناس يمارسون طقوسا دينية جنسية متعلقة بها.

أحد هذه الطقوس هو الطقس المسمى “الزواج المقدس”. الملوك قديما كانوا يذهبون إلى معبد الإلهة الأم ويمارسون الجنس هناك مع الكاهنة الكبرى في المعبد. الهدف من هذا الطقس هو توليد الخصوبة أو الاحتفاء بها.

قصة مسيلمة مع سجاح تذكرني بهذا الطقس.

الكلام الجنسي الفاحش أو الإباحي لم يكن شيئا سيئا في المجتمعات الأموية القديمة، بل على العكس تلك المجتمعات كانت تتباهى بمثل هذه الأمور. الإباحية والجنس بالنسبة لهم كانت شيئا مقدسا من الناحية الدينية.

آثار الديانة الأموية القديمة كانت ما تزال موجودة في الأناضول حتى بعد ميلاد المسيح. في الإمبراطورية الرومانية كان هناك عدد من الديانات التي تسمى “الطوائف السرية” mysteries. هذه الديانات كانت تتضمن طقوسا إباحية وحفلات ماجنة يختلط فيها الرجال بالنساء ويمارسون الجنس.

Frescoes in the Villa of the Mysteries in Pompeii
لوحة جدارية من مدينة Pompeii الأثرية في إيطاليا تجسد نساء عاريات في طقس إباحي يعود لإحدى “الطوائف السرية”

الكتاب المسلمون يزعمون أن مثل هذه الطقوس كانت ما تزال موجودة في العصر الإسلامي لدى بعض الطوائف الإسلامية. مثلا العلويون في الأناضول يتهمون دائما بأن لديهم طقوسا إباحية كهذه يمارسونها في السر. هذه الطقوس لو وجدت فهي بلا شك بقايا من الديانات السرية القديمة التي كانت موجودة في الأناضول، وهذه بدورها تعود إلى ديانة “الإلهة الأم” التي تعود إلى عصور سحيقة جدا.

ما سبق يدل على أن المجتمعات القديمة لم تكن متحفظة جنسيا، بل على العكس هم كانوا يعتبرون الإباحية والحفلات الجنسية الماجنة شكلا من العبادة.

العرب بالذات لم يكونوا متحفظين جنسيا. أنا في الأعلى نقلت روايتين، الرواية الأولى هي عن عائشة بنت أبي بكر تتحدث فيها عن أنواع “النكاح” في الجاهلية، والرواية الثانية تتحدث عن اللقاء بين مسيلمة وسجاح التميمية (الذي يبدو أنه كان لقاء إباحيا فاحشا في حال صدقت الرواية).

الجزء الثاني من هذا المقال سوف أنشره فور أن أنتهي من كتابته (قريبا).

_______________________________________________

يرجى مراجعة هذا الرابط لأجل توضيح حول محتوى هذا المقال

5 آراء حول “أصل ظاهرة الكبت الجنسي عند العرب (1)

  1. احسنت يجب نشر هذا العلم الاسلام لايحرم الجنس لكن نظمه فقط لكن البشر هم الذين حرموه واتبعو عاداتهم وتقاليدهم يجب عمل كتاب لهذا ونشره بين المسلمين ليتعلمون دينهم
    إن لله وإن إليه راجعون لو اتبعوا أمور ربهم لما انكبتو جنسيا

  2. الاسلام الحقيقي يتم تطبيقه في امريكا نحنى نطبق عصر الظلام الأوروبي القديم
    كل المعلومات صحيحه لو تعمل له كتاب وتنشره وتحسب اجر لنشر العلم كان افضل توعيت الشعوب

  3. ننتضرك تنشر جميع موضعات الكبت الجنسي ومع حلوله وتخلف المسلمين اليوم والفرق بينهم وبين العصر الذهبي

أضف تعليق