بعض الناس يلومون العلويين على ما حصل في سورية. هل العلويون يستحقون اللوم بالفعل؟
ما الذي كان مطلوبا من العلويين أن يفعلوه؟
مجتمع العلويين في سورية يعيش تحت قبضة أمنية خانقة جدا تفوق ما هو موجود في أي مجتمع آخر.
من عاشوا في سورية يعرفون هذا الأمر. النظام السوري يبطش بمعارضيه العلويين على نحو يفوق بطشه ببقية المعارضين.
مثلا النظام السوري كان قبل الثورة السورية يتساهل ويتسامح مع الإرهابيين الوهابيين، ولكنه كان يبطش دون هوادة بأي مواطن علوي يبدي نقدا للنظام.
المواطن العلوي في سورية كان يتعرض للتنكيل بمجرد أن ينتقد النظام السوري كلاميا.
مثلا الموظف العلوي كان يتم فصله من وظيفته في حال تفوه بكلام نقدي للنظام.
النظام لم يكن يكتفي بفصل المعارضين العلويين من وظائفهم وسجنهم والتنكيل بهم وبأسرهم، ولكن شبيحة النظام كانوا يقومون أيضا بتحريض الجمهور العلوي ضدهم.
شبيحة النظام كانوا يتهمون أي معارض علوي بأنه عميل للإسلاميين الإرهابيين.
هذه التهمة هي تهمة خطيرة جدا في المجتمع العلوي. الإسلاميون الإرهابيون هم معادون بالمطلق للعلويين، وفي حال كان هناك علوي يساعد الإسلاميين فلا بد أنه خائن متبرئ من انتمائه العلوي. لهذا السبب اتهام شخص علوي بأنه متعاون مع الإسلاميين يعني عمليا نبذه من طائفته وتجريده من هويته.
هكذا كان النظام يتعامل مع المعارضين العلويين. هو لم يكن يكتفي بالتنكيل بهم ولكنه كان “يطردهم” من الطائفة العلوية. كل علوي ينتقد النظام هو عميل للإسلاميين، أي أنه خائن وليس علويا.
طبعا الأمور لم تكن بالضرورة تطرح بهذه العبارات، ولكن هذا هو مضمون ممارسات النظام.
شبيحة النظام السوري يتواجدون بكثرة في صفوف العلويين. من يعيش في المجتمع العلوي سوف يجد صعوبة بالغة في انتقاد النظام لأن الشبيحة موجودون في كل مكان حوله. لهذا السبب هو سيظل خائفا وسيتجنب إبداء أي معارضة أو نقد خوفا من التعرض للتنكيل والنبذ.
كيف يمكن للمعارضة أن تنشأ في هكذا مجتمع؟ هذا أمر مستحيل.
لا يمكن في ظل مثل هذه الظروف أن ينشأ تيار معارض للنظام.
عندما اندلعت الثورة السورية كان العلويون أمام خيارين، إما دعم النظام السوري أو تركه ينهار.
من غير المعقول أن يترك العلويون النظام ينهار. لو انهار النظام فهذا كان سيفتح المجال أمام الإسلاميين الإرهابيين للانقضاض.
الموقف الذي اتخذه العلويون في الثورة السورية هو موقف طبيعي وصحيح. صحيح أن النظام السوري هو نظام قمعي فاسد، ولكن انهيار النظام هو خطر وجودي على العلويين. لا يمكن لأي علوي يحترم نفسه أن يسمح بانهيار النظام.
العلويون أحسنوا صنعا عندما دعموا النظام، لأن انهيار النظام كان سيمثل خطرا بالغا عليهم وعلى غيرهم.
دعم العلويين للنظام السوري لا يعني أن هذا النظام يعبر عنهم أو يمثلهم.
النظام السوري يحمي العلويين، ولكنه لا يمثل العلويين.
لكي يكون النظام ممثلا للعلويين لا بد أن يكون هذا النظام منتخبا من العلويين. متى انتخب العلويون هذا النظام؟
هل العلويون هم الذين قرروا إيصال عائلة الأسد إلى السلطة؟
عائلة الأسد لم تصل إلى السلطة باختيار العلويين. هذه العائلة فرضت نفسها عليهم وعلى غيرهم.
صحيح أن العلويين دعموا هذه العائلة، ولكنها رغم ذلك لا تمثلهم.
العلويون يدعمون عائلة الأسد لأنهم لا يملكون بديلا آخر. لو توقفوا عن دعمها فهذا سيوصلهم إلى كارثة.
نظام الأسد لم يحقق للعلويين أي شيء مفيد.
العلويون تاريخيا هم أقلية مهمشة في سورية. لو كان نظام الأسد يسعى لإفادة العلويين لكان سعى لتعزيز اللامركزية الإدارية في سورية. المستفيد الأكبر من اللامركزية الإدارية هم الأقليات المهمشة. من العجيب أن النظام الحامي للأقليات لم يحقق أي إنجاز على صعيد اللامركزية الإدارية.
الأقليات الدينية تستفيد من العلمانية والديمقراطية. ما هي إنجازات نظام الأسد على صعيد العلمانية والديمقراطية؟
أحداث الثورة السورية كشفت أن النظام السوري حول سورية إلى أفغانستان (بمعنى أن المجتمع السوري يخلو إلى حد كبير من قيم العلمانية والديمقراطية).
الأقليات المهمشة تستفيد من التنمية الاقتصادية. ما هي التنمية الاقتصادية التي حققها نظام الأسد في مناطق العلويين؟ كم هو حجم الناتج المحلي الإجمالي في مناطق العلويين؟
أتمنى أن يقوم شخص ما بحساب الناتج المحلي الإجمالي في مناطق العلويين. أنا واثق من أن الرقم هو ضئيل جدا ولا يمثل شيئا يذكر من حجم الاقتصاد السوري.
نظام الأسد لم يحقق أي شيء مفيد للعلويين. لهذا السبب أنا كنت وما زلت أرفض تصنيف هذا النظام على أنه نظام علوي. هذا النظام هو مجرد استمرار للنظام الدمشقي الذي أسس في أربعينات القرن العشرين. هذا النظام سعى لتكديس السلطة والثروة في مدينة دمشق. هو أحضر بعض المهاجرين العلويين من الساحل وأسكنهم في دمشق وغيرها من المدن الداخلية، ولكن ما هي الفائدة من ذلك؟ ما هي الفائدة من استقدام العلويين نحو دمشق وغيرها؟ هل تهجير الناس من مناطقهم هو شيء جيد؟
لو كان النظام حريصا على العلويين لكان عمل على تنمية مناطق العلويين وتعزيز صلاحياتها الإدارية.
أنا أستغرب كيف يصف بعض الكتاب الغربيين النظام السوري بأنه نظام علوي. النظام السوري هو مدعوم من العلويين، ولكنه ليس علويا ولا علاقة لة بالعلويين. هذا النظام همش مناطق العلويين ولم يحقق لها أي شيء.
أكبر جريمة ارتكبها النظام بحق العلويين هي أنه حولهم إلى خشب محرقة في الحرب ضد الإرهاب العالمي.
أميركا والدول الأوروبية عجزوا عن استئصال الإرهاب الوهابي من أفغانستان والعراق واليمن والصومال إلخ. لهذا السبب هم غيروا استراتيجيتهم في التعامل مع الإرهاب الوهابي وباتوا يسعون لإلهاء الإرهابيين الوهابيين بدلا من المواجهة المباشرة معهم.
أميركا عملت خلال السنوات الماضية على اختراق الإرهاب الوهابي وقامت بتوجيهه لكي يصطدم مع إيران والعراق وسورية وحزب الله.
حاليا الإرهابيون الوهابيون لم يعودوا يستهدفون أميركا وحلفاءها ولكنهم باتوا مشغولين باستهداف المحور المناوئ لأميركا وإسرائيل في الشرق الأوسط.
أميركا استصعبت المواجهة المباشرة مع الوهابيين. الأميركان حاولوا أن يهزموا الإرهاب الوهابي بالقوة العسكرية ولكنهم وجدوا أن هذا المسعى عبثي ومكلف. لهذا السبب الأميركان لجؤوا إلى أسلوب الاحتيال في التعامل مع الإرهاب الوهابي. هم استخدموا الإعلام السعودي والقطري بهدف توجيه الإرهاب الوهابي نحو إيران والعراق وسورية ولبنان.
الغريب هو أن نظام الأسد يريد من العلويين في سورية أن يقوموا بالمهمة التي عجزت أميركا عنها.
هو يريد من العلويين السوريين أن يحاربوا الإرهابيين الوهابيين القادمين من جميع أصقاع الأرض.
هل هذا معقول؟
أنا لا أفهم كيف ورط الأسد العلويين في هكذا حرب جنونية.
والعجيب أنه هو نفسه علوي.
هو لم ير مشكلة في توريط طائفته في هكذا حرب جنونية بامتياز.
لو كان نظام الأسد حريصا على العلويين لما كان ضحى بهم في هكذا حرب عبثية.
الإرهاب الوهابي هو آفة عالمية. لماذا يجب على العلويين في سورية أن يتحملوا كلفة استئصال هذه الآفة؟
شيء غريب وغير مفهوم على الإطلاق.
الأسد قرر أنه مستعد للتضحية بكل شيء في سبيل الاحتفاظ بكرسي الرئاسة.
هو مستعد للتضحية بأرواح عشرات ومئات آلاف العلويين.
هو مستعد للتضحية بالسلاح الكيماوي.
هو مستعد لهدم حلب القديمة.
هو مستعد لأي شيء يمكن أن نتخيله، ما عدا التنحي عن منصبه.
هذا نفس موقف القذافي قبل مقتله.
القذافي كان يقول أنه مستعد للتنازل عن كل شيء ما عدا الاستقالة من منصبه.